عرف المجتمع المغربي تطورا ملحوظا، من أهم سماته خروج المرأة للعمل والإسهام في اقتصاد الأسرة، بحيث نجد أن من بين 8,6 ملايين أسرة، 1,5 مليون ترأسها نساء، وهو ما يمثل 16.9 بالمائة. تبقى هذه النسبة مرتفعة بالوسط الحضري (19,3%) مقارنة بالوسط القروي (11,4%)، وذلك حسب تقرير سنة 2022 للمندوبية السامية للتخطيط . تنضاف إليها مشاركة الزوجات الموظفات والبنات في اقتصاد الأسرة (عاملات مصانع أجزاء السيارات، حقول الفراولة والضيعات الفلاحية، معامل النسيج والصناعات الغذائية وعاملات المنازل وغيرهن). فلم تعد الإناث تعيش على نفقة آبائهن أو إخوانهن في كنف الأسرة الممتدة، كما كان الحال في المجتمعات التقليدية؛ بل صارت المرأة تتحمل نفقة نفسها وأسرتها بمن فيهم الذكور.
إن استمرار التمييز بين دور المرأة والرجل في المجتمع ومقاومة التغيير يضر بالمرأة اقتصاديًا ويحد من وصولها إلى الموارد ، والعمل المأجور، وريادة الأعمال ، والأنشطة الاجتماعية المدرة للدخل. كما يسبب هذا التمييز تفقيرا للإناث و يفاقم الحيف الذي تعانين منه في جل المجالات.
في تقريرها بمناسبة 8 مارس 2022، تشير المندوبية السامية للتخطيط بأن أغلب النساء يقمن بأعمال غير مؤدى عنها، حيث أن 80% منهن مقصيات من سوق العمل المأجور ولا تحصل اللواتي حظين بأجرة إلا على راتب يقل في المتوسط بمقدار الثلث عن الراتب الذي يحصل عليه الرجال، مما يحد من تمكينهن الاقتصادي والاستقلال المادي ويضعف قدرتهن على الادخار.
تعاني الإناث من التمييز المجحف في قوانين الميراث، لأن مقتضياته لا تعطي للإناث في أغلب الحالات إلا نصف ما يرثه الذكور الذين يتمتعون كذلك بالحصص المحصلة عبر التعصيب. بالإضافة إلى ذلك، فإن بعض العادات المحلية في بعض القبائل و العائلات تحرم الإناث أحيانًا من نصيبهن من الميراث، أو تخصص لهن مساحات الأرض الأقل خصوبة والأجزاء الأقل مردودية من الممتلكات العقارية. لا تزال العديد من النساء تعانين من هذا التمييز حتى اليوم، بسبب نقص المعلومات ، أو بسبب نقص الدعم أو الخوف من قطع العلاقات مع الأشقاء. ينتج عن هذا التمييز في الإرث مآسي خطيرة من تشريد عائلات بأجمعها دون اعتبار المخاطر التي تعترض الإناث في وضعية هشة من عنف بشتى أنواعه واستغلال بشع على جميع المستويات وعلى رأسها الاستغلال الجنسي والاقتصادي .
يعيق هذا التوزيع غير المتكافئ للتركة من أموال وأملاك عقارية في المغرب حصول الإناث على الملكية. إن نسبة النساء المغربيات اللواتي يمتلكن عقارا لا تتجاوز 7٪ في المناطق الحضرية و 1٪ في البادية، في الوقت الذي تشكل فيه اليد العاملة النسوية الأغلبية في القطاع الفلاحي. إن هذا الواقع يحد من قدرة النساء على الإنتاج والاستثمار والاستفادة من القروض البنكية التي تتطلب التوفر والإدلاء بضمانات عقارية. هكذا تقصى الإناث من ريادة الأعمال، سواء في القطاع الخاص المهيكل أو في قطاع الاقتصاد الاجتماعي، حيث تكلفة القروض الصغرى مضاعفة بسبب الإعفاء من الضمانات.
إن هذه الوضعية تعمق تهميش و تفقير النساء وتعرقل تمكينهن الاقتصادي وتضعف طاقتهن في الادخار و الاستثمار و ريادة الأعمال و ولوج للموارد المدرة للدخل و تراكم الثروة. فنسبة المقاولات التي تسيرها نساء لا تتجاوز حاليا %16,2، إذ لا يمكن لشخصين لا يملكان في الأصل نفس الموارد أن يلجا لنفس الفرص على قدم المساواة. إن الوريث الذكر يتولى إدارة شركة التركة في أغلب الأحيان، لأنه يرث الحصة الأكبر، بينما غالبا ما تبيع الإناث حصصهن من أسهمهن للورثة من الذكور بثمن هزيل بسبب ضآلة حصتهن أو لعوزهن.
هكذا تتضاءل فرص الإناث مقارنة بالذكور في إنشاء أو إدارة مشروع تجاري عن طريق الميراث. إن عدم المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث والملكية والأراضي والمياه والموارد الأخرى كلها حواجز تعيق وصول المرأة إلى الملكية الخاصة و إلى القروض البنكية (بسبب الافتقار إلى الضمانات)، مع العلم أن هذه الموارد أساسية لاكتساب مهارات جديدة أو لإنشاء مقاولة أو لريادة الأعمال، لأن امتلاك الأرض أو المباني أو رأس المال وحده يمكن أن يشكل نقطة انطلاق للمشاريع المدرة للربح و للثروة.
استنادا إلى ما سبق، أصبح اليوم من الضروري اعتماد قراءة حداثية للنص الديني وإبراز مقاصده في العدل بين الجنسين و إقرار مجموعة من القوانين والإجراءات الإيجابية واسعة النطاق وترسيخها التشريعي لتحقيق المساواة والتكافؤ بشكل فعال في المجال الاقتصادي؛ للتعويض عن الحيف التاريخي الذي عانت منه الإناث والقضاء على الفوارق في توزيع الموارد الوطنية والأسرية بين الجنسين. إن المساواة في الإرث بين الجنسين أصبحت ضرورة مجتمعية و اقتصادية و ثقافية لإنصاف الإناث وحمايتهن من الفاقة و من العنف ومن التهميش الإقتصادي و من التشرد، ولإتاحة نفس الفرص لهن كالذكور للولوج للموارد ولتمكينهن من وسائل إمتلاك وإنتاج الثروة، من أجل الإسهام الفعال في تنمية الإقتصاد الوطني.